الأحد، 13 يناير 2013

الطيب مصطفي كالهر يحاكي انتفاخا صولة الاسد



    قال تعالى:
    { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}
    صدق الله العظيم
    الآية 110 من سورة الأنعام.
    " آه يا صديقي فريدريك، لو كانوا يعلمون أَنَّ قيمة ما نَكتُبُهُ ليست في أَنَّهُ جديد، فهو مُتَنَاثر عبر التاريخ في كل مكان، بل إنَّ قيمَتَهُ الحقيقية تَكمُنُ في تَمَاسُكنا"
    كارل ماركس ـــ من رسالة إلى فريدريك انجلز.
    سَعَرْنا الطَّيب مصطفى ولَسَعَ صَبرَنَا بسُمُومِ أفكارِه التي أحرَقَت قَلبَهُ، فَباتَ يَنفُثُ دُخَانَهُ المُكفَهِر، المَحرُوق بِحِقدِهِ فِي ( زَفرَاتِهِ الحَرَّى). سَعَرْنا مَرَّةً أخرى بِمَقَالٍ نُشِرَ فِي عَمُودِهِ اليَومِي زَفرَات حَرَّى تحت عُنوان (الشَّيخ صَادق عبد الله عبد الماجد رَجُل لم تُغَيِّرُهُ الدُّنيا!!).

    اذا أخرَجنَا الكَمَّ الهائل مِن الأَلفاظ الجَّارِحة، والسَّب الذي يَتَناوله الطيِّب مصطفى في مَقَالاته بصورة تَفُوقُ نِقَاط الحبر المخَصَّصة لصِياغَة المقَال نَفسه!، نجد مَا يَتَدَثَّر به الرَّجُل لِيُغَطِّي سُوء العِبارة والرَّكَاكَة الواضحة في كتاباته؛ عددٍ من العباراتِ والكلِماتِ المُعلّبة حتى فسدت صَلاحِيتها، وآيات من القرآن الكريم حدَّ يَدهَسكَ التَّعَجُّب وأَنتَ تَقرأ له؛ ( هذا إذا استطعت له صَبراً)؛ عن كيفية حَشْرِهِ لقَول الله وَسط الكَلمات الجَّارِحة، التي يَنسِج عَليها نَوْل عِبارَاتِه.
    بَعيداً عن العُنصُريَّة اليوميَّة، التي مَا رامَ الرَّجُلُ يُوغِرُ بها الصدور، حَملت لنا كَلماته الجَّارحة هذه المرَّة أذى لا يُضَاهِيه في السُّوء إلاَّ وجود الطيِّب مصطفى ذات نَفسه على هَذه الأَرض. فَقد تَمادَى الرَّجُل في جَهلِهِ وغَيِّهِ لِتَطَال كَلماتُهُ شَاعِر الشَّعب؛ محجوب شريف!!. مُفصِحَةً بوضوح عن الدَّيدَن القبيح الحَاقِد للرَّجُل، بَعيداً عَن مُبرِّراتٍ وهمية؛ لا تقنع دابة هَتكَ بها الغَبَاء؛ يُغَلِّف بها حِقدِهُ وعُنصُرِيَّتِهِ بعد كُلِّ مقالٍ أو لقاءٍ له.
    يقُولُ الطيِّب مصطفى هذه المرَّة:
    ( رأيتُ بعض صُحَافِيِّي الغَفلة يحتَفُونَ بِتَافِهينَ وتَافِهات، ويُسَوِّدونَ بِسيرَتِهِم الصَّفحات.. أحدُهُم شُيُوعيّ مُتَشَاعِر ــ وهُوَ قَرِيبِي بالمناسبة ــ قَالت لهُ زَوجُهُ: ( يَاْ أَنَا يَاْ العَرَقِي)، فقالَ لها: ( العَرَقِي)، فكانَ أَن لَيَّفَ العَرَقِي كَبِدَهُ ومَات! .
    آخَر.. سَمَّوهُ شَاعر الشَّعب. وهَل يحتَفِي الشَّعب السُّودانيّ المسلم ويمنَح اسمَهُ لشُيُوعِيّ لا يُصَلِّي؟!. وكثيرٌ مِن الزَّبد الطَّافي عَلى صفحةِ حَياتِنا يُعَطِّلُ مَسيرنا ويملأ حَياتَنا بُؤساً وتَعَاسَة!!).
    انتهى.

    بُؤسَاً وتَعاسة! يا رَجُل!!. والله، بَدَا لي صَوت البُؤس والتَّعَاسة جَلِيَّاً مُتَرَنِّماً يَتَشدَّق حائِراً بك: تَجهَلنِي كيفْ إنتَ، تِتْغَابَى فِيْنِي المعرفة!!.

    يَتَساءل الطيِّب مصطفى عن أحَقِيَّة الشَّاعر محجُوب شريف بِلَقب شَاعِر الشَّعب، وهو سُؤال مشرُوع بالمناسبة، فَليتَهُ تَوقَّفَ على ذلك، لَكَانَ أعفَانِي مِن كِتابة هذا الرَّد، وعَفَى نفسه عن سَماعِ ما لا يَرغَب. ولكن الرَّجُل أردَفَ سؤاله باستنكار مُبتَذَل جَرَّاء التِّكرار والاستخدام، بل جَرَّاء مشروعية التَّساؤل ذَاته، عَن كيفية احتفاء الشَّعب السُّودانيّ المسلم ومَنح التَّبرِيكَات لِشُيُوعِيّ لا يُصَلِّي، ليُلَقَّب بشَاعر الشَّعب؟؟. يا سيدي، في البدء دعني أعيدُ لكَ ما تَعلَمه جيداً، لكنَّكَ ما فَتِئتَ تحاولُ إنكارَهُ؛ ( لماذا، مَا نَدرِي)؛ وهو أنَّ في طَيَّاتِ هذا الشَّعب شُعُوباً وقَبائل ليست بالمسلمة، ولم يكُن الإسلامُ رابطاً بيننا، بل الإيمان الموحد بالله، والوطن، وحُبّ الخير لبعضنا بعضاً، يجمعنا سَويَّاً وطنٌ ظَلَّ مُوَحَّدَاً، إلى أن اطلَقتُم نَشَّاب التَّعصُّب والكراهية والإجحاف، سَهمٌ وراءه سهم، إلى أن صَرَعتُم به الوطن، فَهَوَى منفَصِلاً، كَعَينَين تَشَظَّى عنهُما البَصَر، فأضمَحَلَّ النَّظَر، لا الجسد الواحد يرى، بل رائحةُ الدِّمِ المُخثر هِي التى تَعلو الحَواس. يا إلهي.

    قلتَ أنتَ؛ " وهل يحتفي الشَّعب السُّودانيّ المسلم ويمنَح اسمه لشُيُوعيّ لا يُصَلِّي".

    عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا أحبَّ اللهُ تعالى العبدَ، نَادَى جبريل، إنَّ الله تعالى يحِبُّ فلاناً، فأحبه، فَيُحِبُّهُ جبريل فَيُنَادِي في أهلِ السَّماء : إنَّ الله يحِبُّ فلاناً فأحِبُّوه، فَيُحِبُّهُ أهلُ السَّماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض)). مُتَّفَقٌ عليه.
    وفي رواية لمسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ اللهَ تعالى إذا أحَبَّ عَبداً دَعَا جبريل، فقال : إني أحِبُّ فلاناً فأحبه فيُحِبُّهُ جبريل، ثُمَّ يُنَادِي في السَّماء فيقول: إن اللهَ يُحِبُّ فلاناً فأحبوه فيُحِبُّهُ أهلُ السَّماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض، وإذا أَبغَضَ عَبداً دَعا جبريل، فيقول: إني أَبغَضُ فلانا، فأبغضه، فَيبغَضه جبريل، ثم يُنَادي في أهلِ السَّماء إن اللهَ يبغَضُ فلاناً، فأبغضوه، فَيبغَضُهُ أهلُ السَّماء ثم تُوضعُ له البغضاء في السَّماء )) .
    رياض الصالحيـن ــــــــ المجلد الثالث ـــــــ باب علامات حُبّ الله تعالى للعبد والحثّ على التَّخلق بها والسعي في تحصيلها.
    انتهى.

    في وقتٍ كنتُم أنتُم تَنفُثُونَ فيه الفِتنة كالرَّضفُ المنفَلق، عبر صَحيفَتكم الصَّفرَاء ومنبركم الهادِم، كان الأستاذ محجُوب شريف يُعِيدُ لَحْمَ القُلُوب، التي فَرَّقتُمُوهَا بالعُنصُرِيَّة والاستِعلاء والكراهية والحقد، وكُنَّا نُرَدِّدُ من خَلفِهِ؛ ( عَشَّة كَلِّمِينا، ميرِي ذكّرينا، كُلّ سُونْكِي أحسن، يبقى مَسطَرينا). في وقتٍ كُنتُم أنتُم تَزجرون فيه كُلَّ طالب حق، كان المحجُوب يَفتحُ عقلَهُ نَفَّاجَاً للخير، ليُعِيد ولو بَعضاً من تَكاتُف هذا الشَّعب الإجتماعي، والذي شَهِدَ تَقويضَاً لم تَشهَدَهُ مجتمعات السُّودان من قبل. كان الأستاذ محجُوب شريف يخرُجُ مِن النَّفَاج وخَلفُهُ مكتبة مُتَحَرِّكة صَوبَ اطراف المدُن، لتَزويد أطفال؛ أفقَدَتهُم الحروبُ والفَسَاد المزوَّر بإسم الدِّين حقُوقَهُم في الدِّراسة والعيش الكريم؛ كان الشَّريف محجُوب يخرُج من النَّفَّاج لِيَرُدَّ الجَّميل لوطنٍ لا يحملُ سمةَ خيرٍ غير أنَّهُ أنجَبَهُ وأمثاله، يَرُدُّ الجَّميل لأمَّهات وآباء هَتَكَت بِهم الحياةَ وسَلبت أعمارهم بلا أدنى مقابل. فأنظر كَم مِن جميلٍ يَتَوَجَّب عليكُم رَدُّهُ لهذا الشَّعب، الذي مَلكت يَدَاكم ما سَلبتُمُوهُ منهُ!!. مالكم كَيفَ تحكمُون؟؟.
    ولم تَتوقَّف حملات الأستاذ محجُوب شريف الخيرية لإصلاح ما أفسَدتُمُوهُ عند هذا الحدّ، فَفِي وقتٍ اضحَت فيه المستَشفيات كَفَنادق الخمسة نجوم، لا يَطال وطئها إلاَّ اصحاب الألوف أو المؤلَّفَة قلوبهم للنظام الحاكم، كان رَدُّ الجَّميل ينشيء عيادات رَدّ الجميل، والتي قَدَّمت العلاج المجانيِّ ومازالت، على أيدي اختصاصيين لم يَبخَلوا بوقتهم وجهودهم لهذا الوطن، ولحلِّ مشكلة غَلاء وتوفير الدَّواء، تبدت صحبة راكب، وعربتها تقف على باب المطار داعية كلَّ قَادِمٍ من خارج الوطن، بِجَلب ما تَيَسَّرَ جَلبُهُ من الدَّواء، وتَسليمُهُ لهم، ليقُومُوا بتَوزِيعِهِ وحَملِهِ للمستشفيات الخيرية، ومن ثمَّ أَتى تَبَرُّع الجالية السودانية بدولة الإمارات بعربة اسعاف مخصَّصة لمشروع صُحبَة رَاكِب، لنقل المرضى ومجاناً للمستشفيات، أو تأجيرها، ليذهب رَيعَها للمحتاجين؛ وما اكثرُهُم في وطني. وهناك مشروع الهكر لتحريك الساكن والمهمل في قلوب الناس، وتأهيل غير المؤهلين، وهنالك كَشْكول الهبَّابَة، وغيره وغيره. يا سيدي هذا فيضٌ من أنهار، مالكم عَمَّ تَتساءلون؟؟. عن أحقِيَّة الأستاذ محجُوب شريف لِنَيل اسم شَاعر الشَّعب!!.

    وبعد أن تَمَّ إنفصالُ الجنوب، في وقتٍ كُنتَ أنتَ تَذبح الذَّبائح، معلناً ابتهاجاتك وابتهالاتك بانفصال الجنوب، كان الاستاذ محجُوب شريف يُرثي السُّودان أرضاً وشعباً في فَقدِهِ الجلل؛ ( ياحِليلْ تِريزا قَريب، كَانُونَا كان بجاي، ياحِليل جَنَاها جَنَاي، هُم يسألون وعيون، تحزن تقول باي باي)، ولتَعلم يا سيِّدي أن " فعل العَدل والحق أفضل عند الرب من الذَّبيحة " آية 3- سفر الامثال- الاصحاح 21 ( العهد القديم).

    لم يختَارَهُ الشَّعب شاعراً له عَن فراغ، وشَعبُ السُّودان يــا سيِّدي ليسوا هُم اصحاب الملايين ولا السُّحنَات الفَاتحة، ولا لَاهِجُوا اللُّغة العربية وحدهم، ولا نَاطِقُوا الشَّهَادة فَقط، هذا الوطن أكبر بكثير من لُغةٍ واحدة ولونٍ واحد لكي تُعَمّم عليه الشِّعَارات. هذا الوطن أكبر بكثير من حدود عَقلِك الخَالي وقَلبك الجاف وعُرُوبَتك المستعربة حَدَّ تعبيرك ( نحنُ العَربُ المستعرِبة)؛ في لقاء أجراه مَعَك الطاهر حسن التوم على قناة النيل الأزرق. هذا الوطن سُمِيَّ السُّودان ولو كان صحيحاً ما تَزعَمُوه، لَكَان الأجدرُ أن يُسَمَّى العُربَان، ولكن هَيهاتَ.

    خَافوا على هذا الوطن ولا تُحَرِّكُوها حرب دينية داخل الإسلام نفسه يا الطيِّب مصطفى وأمثاله. الخير والطيبة والأخلاق هي وَشَائج لا تَقبل المسَاومة ولا تَعرِف التَّقويض تَحت مُسَمَّيات الدَّين الزائفة، والأيدلوجية الحِزبّية؛ والحِزب الشيوعى اخرجَ من طياته افراد تنهار الجبال خِشيةً من صُمودهم، ويفسِحُ العطاء خطاه لِيَتقدموه خُطاً، والتاريخ لا يُزور، وإليكم كيفَ شيَّعَ الشَّعب السُّودانيّ الأستاذ نُقُد. فالأخلاق تَعلو فَوق هَام الأيدلوجيات والإنتماءات، وما تَقُومُ به الآن هو إشعالٌ لفتنةٍ جديدة، يجب أن يَعِيها الشَّعب جيِّدا. كنتَ تُصدِرُ الفَتَاوى لدَعم مشروعك العُنصُريِّ ضِدّ الجنوب، باسم الدِّين كي تُخفِي خَبايا العُنصُرِيَّة البغيضة، ثُمَّ ما لبثتَ وأن أعلنتَها صراحةً. والآن وبعد أن تَمَّ لكَ ما أردت، تحاولُ تَوجِيه شِبَاكَكَ المسمُومة لفتنة جديدة داخل الدِّين الواحد، وتخرج الفتاوى؛ هذا شُيُوعِيّ لا يُصَلِّي كَيف تَعطُونَهُ اسمكم، وهذا ما بَعرِف إيه!!. خافُوا على انفسكم من ما ارتكبتموه بِِحَق هذا الوطن، فالتاريخ ينظرُ ويدون، وما يوم الحِسابِ ببعيد، فَقْد هَرِمّنا العَيش على دَّرْكِ الشَّقاء الأدنى، وذاكرة هذا الوطن انتَفَخَّت وقلبه تقيح منكم، ونحنُ لن نَنسى الحروب التى أشعلتموها، لن ننسى التَّهميش والعُنصُريَّة، التَّجويع، العجز والإفقار الممنهج للشَّعب، لن نَنسى دَمغات الشَّهيد، الضَّرائب، الزكاة، الحوجَة والعَوز والتّدبيح.
    ولن تَمحي الأيام فَشَلكُم في إدارة هذه البلاد، وإستغلالكم لهذا الشعب، ولموارد هذا الوطن، وطنٌ بمليون ميل مربع تَودأ رضراضه وضاق علينا جراء سياستكم المشينة، شردتم القبائل من قُراها، فمات من مات، وهاجر من نجى مُدبراً الوطن، ساخَت الأقدام بنا وتَسَيَّخَت في هذا العالم، لا تُوجد اسرة تخلو من ابنٍ أو أخٍ أو أخُتٍ أو والد اكله الغرب أو شَرِبَهُ الشَّرق، وهَضَمت الحياةُ حقُوقَهُ الأولية؛ بأن يَعيش في كَنَف وطَنٍ وأهل. خافُوا على انفسكم، فإني ارى فنائكم يُنادى مِن مكانٍ قريب.

    ثَروت هِمَّت
    مواطنة سُّودانِية، وكفى.

الأحد، 1 مايو 2011

ضلال النفس في عهدة المواثيق

ضلال النفس في عهدة المواثيق


"ولا حجر على البشرية وعلى مفكريها وقادتها، أن تفكر في صيغ وأساليب أخرى، لعلها تهتدي الى ما هو اوفى وأمثل، ولكن إلى أن يتيسر ذلك ويتحقق في واقع الناس، نرى لزاماُ علينا، أن نقتبس من أساليب الديموقراطية، ما لابد منه لتحقق العدل والشورى واحترام حقوق الإنسان، والوقوف في وجه طغيان السلاطين العاليين في الأرض"
يوسف القرضاوي
***


والحق يقال، لم نكن غير تراكمات تفسخت جراء تناسخ كاشط، تعِر رهبتها لحلكة القاع إينما ولت، فُسرَ وهنها وضياع حيلتها ورُهِنَ لشحيح توالف هُيِّأَ في تآويل التنازيل التي باينت عجز في التفاكير والتدابير مفاده اليأس.

إلتقطتك منافي اللغة، وفيافي المجاز، وأنت تعوي في صحراء مجهولة، تئن فزعاً، مهشم الوجه، ومُهْتَصِرٌ الفؤاد، مشرئباً كهشيم بجسه أنحسار المسافة بينه وبين الآخر، تطلق لصليل السيوف وحشتك المجوفة وأناك المُنشقة، كحافر وأب، نديمك مقدارُ كأسٍ معتقة، ونظرة ثاقبة في ظنك اللامرئي، وعلقم الراهن.
كُبح إنشقاقك قديماً، فإنفلقت الآن كسهمٍ مجري، ثقبتَ سماء قوسك المُحدد، وأنطلقت مُدبراً للوصاية، لا تحدك تخوم مضللة ولا جيف الفة.

مُكر... مُكر
حق .. حق
حق مُكر... ومُكر حق.

آويتَ المقدس فيك، وملأت َ جوفك الظامئ، رأيتَ في الخَواء وجوهاً كسطح بحر مُبَحْزَج، تسمع تفتفق فقاعاتهم في القاع، في الحلكة، في الظلام المُهاب، فرست بناظريك، رآيت وجوهاً أُخر، آلفتها مع يقينك بخيالاتها، زهوت متبخبتراً، برفقة مآلات الخصوبة فيها... فيك، خلقتَ الشعوب والسحنات والقبائل، فأنشقوا لرفقتك، ماحوجتك الآن لهم، وماحُجتك للمُرافاة بعد هذا الوقت؟
عهدتُكَ دوماً مناجياَ، جاسدُ الزند أم ساجد الوجه، متهدج النظرات أم ثاقب للصمت:

فديتُك ربي إينما كُنت، وكيفما شئت
ويكفيني بصيصُ نوركَ فيني.

أيها المُنشق، اللالذي منثور فيك، كما اللاإنتماء واللاوطن، إيها الكوني المجري، عهدتُ لك مآلاتي، وقلقي، وتناقضي المرهون بقشور كُدست في راحة فكري، وقتئذٍ وتدتُ جَزعِي لباطن الأشياء وخففت وعورة مسلك دربه عليَّ.

ثم رأيتك شريداً كالظل، تمر بالبوادي، البلالِيق الموامي والمفازات، تزعق هلعاً. حسبتها سروراً، فخابك الفجور، سكنتها السلوى، فأنتهيت لهلاك اليقين، فجوراً حسبته سروراً، أي وطئة آلت اليها قدماك.
ثم سمعتك تنشد للمقدس لديك، مشرئب الوصال، خائرٌ، ذبيح، كالح النظر، كادح الجهد، متفصد العرق، وناصل للأربع:

أهااااااا هااااا ربي، يااااااا ربي هااااا ربــــــــــــــــــّي
آلفت قبس نورك، وملكتُ الأسرار كلها
أهاااااا ربي، يااااااا ربــــــــــــــــــّي
حتى خالت نفسي انها ملكت سرك العظيم
سعيتُ للفلاح، وتيقنت بؤرة الضوء فغُشيت عيناي، وضللت نفسي.
أهاااااا ربي، يااااااا ربــــــــــــــــــّي
حيٌ حي، حيٌ حي، وما في جُبتي إلا أنت، حقٌ حق، مكرٌ مكر.
حيٌ حي، ويااااا وحي .

فإنشق صدرك حينها، وصعقتُ حين مهجتٌ هيئتك تتخذُ شكلاً لهلال وأنجم، و بدماءك المتفجرة ترسم صوت لإجراس دٌقت في حواف صليب علقتَ عليه خشيتك المنفلقة، مُنضَمُّ السَّنابك وحشاك الضامر. ثم صِحت من جديد، متهدج الوصال:
حق... حق..
مُكر...مكر..
حق .مُكر،، ومُكر...حق
وشرعتَ تعوي، فزعَقتٌ كطير مشبوك في حدقات القنص، ومآرب الهلاك، وأفلتُ يقيني بناظريّ، ملأ الحالك دمي، وجهشتُ بالجفاء، سألتني ما مفادي، واجبتك: ذللت نفسي في عهدة المواثيق ومراسم لا طائل جدوى أو نفعٌ لها، سألتني الإفصاح، وأجبتك بأن الخشوع مقامي، والرأفة مقامك، والسرد يفسد الخشوع ، سألتني المآل، وأجبتُكَ: ثوب بينه وبين جسدي متسعٌ لريحٌ نَؤُوجٌ لايستر عورتي، ولا يدثر خشيتي.

سألتني عن مآل المآل، أجبتك: محتوم الأرقِ، لا يحفه مدرك، ولا يقصيه مهلك، حسبها سروراً، فأنبعثت فيه كالمعصية، وحسَبتْهُ نقيضاً للظلم، فألِفتهٌ نكوص المعاني وفناء المفاهيم. وكل فرد له من إسمه نقيض. فإتسعت العبارة لديك.
سَمعتُ الرمل تحتك ينحسر في فجوات الأرض والجسد، يفصح عن مايدور بخلدك: هواجس وعالم كالح، ام جنون مجبول على مضمار تعقل يابس.

ثم سمعتُ الرمل يفصح عن مايدور بخلده: يا أيها الذئب المتعفن في نكران العجز ودحضه، ايها الدغل الممتلئ، يسودك التشظي، وآخريات تفرد الحوجة فروجهن الملتحمة.
حقاً للخيال صوتٌ آخر، بغيض تصطك له النواجز.

ثم سمعت الرمل يفصح عن مايدور بخلدي، ومن خالدني لسواه؟؟ :
حق حق،
ومُكر مُكر.

فأنشدت ثملى، مبتهلة الكدر، ومكدرة اليأس، وناجيت المقدس:
بُعيد الضيمِ تنفلق النفوس
وتغدو الذكرى تصويب الخطى
ياربي اتيِتُك بالظنون
وعُدتُ يملأني اليقين، فآواني الرضى
حيُ حي، وما في جُبتي إلا أنت.

ثمَ



(ولا حجر على البشرية وعلى مفكريها وقادتها، أن تفكر في صيغ وأساليب أخرى، لعلها تهتدي الى ما هو اوفى وأمثل، ولكن إلى أن يتيسر ذلك ويتحقق في واقع الناس، نرى لزاماُ علينا، أن نقتبس من أساليب الديموقراطية، ما لابد منه لتحقق العدل والشورى واحترام حقوق الإنسان).

يوسف القرضاوي
***

الاثنين، 17 مايو 2010

حرب النحور




أولاد الأفاعي، فحيح الكلام أم فحواه، نعيق طائر ساخر من ظَنِكَ في السماء، وأنتَ موصوم بدماء الشهوة في الأرض، عرقٌ كالنصل ينصب تجاه هاوية، يتفرس الظلام جسدك الهلع؛ الكل مسرع، الكل منحاز، الكل يسعى صوب الغواية، والسماء تمور؛ وأنت في غيهب اللذة لم تنوء عن جسدٍ يتربص الفراغ به، الأبواب تزجر الريح بعيداً، ثم تلوح للمجهول بالقبعة، فلتستفرد بهذا الدوار إذاً.تسمع تفتق الذاكرة وهي تمحو وجودك الصدئ بالنحيب المترصد والجوف السائل، والسماء تمور، تسمع صوت ينذر بخيانة وجودك بينهم، تتوخي الحذر، تركل الإشارات، والموت منحاز لبلاهة التعبير.
دفعتك المسميات لارتكاب الحماقات، استجاب جسدك الطاعن في الظل للفخ الذي نُصب باسم الطبيعة والتكور المهين في ذاك الرحم العقيم، رصدت أحاجيهم المتندرة ظنك بهم، هذا الدوار السلس يعتصر أحشائك، الشفاه تلوثت بغثيان الذاكرة المتقرحة، خيط من الخبث الدنيء يشق دُبر العناكب، تعددت فجوات الخطيئة، لم تعد كافية لاحتضان الأرض بالتستر.
هل قسوت عليك؟ لا عليك فأنت آخر كلب افرغ لهثه تحت هذا الجزع، أنتَ آخر ارضٍ مثقوبة تتلقف أحشاءهم وهي تتهاوي ضجرة من ذاك الثقب.ماذا يوجد في علياءِك؟ إبهامُ كفٍ ضجر؟ هياكل لأفكار يابسة؟ صلصال يكفي لعقاب آخر؟ يدعونك لحرب النحور، خنجرك مفتون باضطراب النهود الراقصة في متاهات المذاق، أفخاذ أشعلها الاحتكاك، جسد احترق بالشهوة، النتوءات التي غزت بشرتك كجنودهم السرية تحتفي اليوم بالنصر، وأنت ملاحقٌ بالهزيمة. كفراً، كفرا، التصق المجاز باللغة، ضاقت المعاني وتهشم سرد الحديث، مهلاً توقف؛ تحجرت الأثداء؟ ما عاد ضخ المتعة يشق المسام؟ وهم يتجاذبون أطراف الموت كالفكاهة. مهلاً مهلا؛ لما تنشب أنيابك في الحياة؟ فهي هنا مثل ذاك النهر الراكد، تعبق بالعطن واسماك تتحسس نتانتها في فمك بعد ابتلاعها، ترثى لحالك؟ نهر لم يوطنه مجرى؟ لا عليك فمثلك لا تخدعه تلاوين الحرباء اللعينة، وأنتَ تسرج قصد المعنى الطاعن في ركب التعبير، لا تفي لنافخ المسك بقيلولة، هل هي الوعود الوعرة؟ لا لم تحرث العمر ليلاً لتبجله في الظهيرة، ففي ترانيم الكؤوس متعة المتصوف، في تلاحق صداها جسد لم يدنسه العمر، كفَ عن هذا التلظي، فالليل بارقة الله، والنَّخاس بارقة الغي.
للروح درك أيتها الشهوة، وللظهر انحناءة قوس أدمى نثيلتي الرطبة.

الأربعاء، 7 أبريل 2010

لا أترُكُ لشَهوةِ الصّدى منفذاً سِواي


**لا أترُكُ لشَهوةِ الصّدى منفذاً سِواي، أو تمرّغهُ في الفراغ.
- الفراغُ غوايةُ الفَزَع.
- الفراغُ الذي فجّر صوت الطبل، والعنزة التي رقصت مجبولة على ذكرى صِنوها.
-الليل، الليل هو أكثرنا حزناً، جفّ دمعهُ في بؤبؤ النجم.
-الخرير الذي وشى بالماء؟.
- والماء صوتُ العنزة.
- القوس الذي جُدل على نهديّ امرأة.
- طعم البارحة مازال عالقاً في فمي، شهداً كان أم علقماً لا يهم.
- بل الخيانة.
- نعم، وشى بها البطن المنتفخ.
- والصوت الواعظ لسعال اخترق الهاتف.
تك تك تك تك
- لا عليك، إنه ميقات الغد.
- الوقت يهوي قبل الجسد.
- نعم، تجذبه رائحة التراب، والعرق الحارق المنبعث من البكتريا وفضلات الروح.
- وأنت.
- أنا كنتُ ملاكاً، أغوتني الشياطين بالتمرد، فبُعثت روحي في هيئة كلب، وعشت حياة الكلاب بنور الملائكة، وبُعثت من جديد لهذه الحياة في هيئتي الحالية، قيل أنه ارتقاء ولكن من يعلم؟.
- أنا كنتُ لحناً صاخباً، يعرِّي الجسد لرغبات الروح، وعند محاكمتي قيل أني أدعو للفسق الماجن، فزُجّ بي إلى عالم الأنسنة.
- سحيقٌ هو العالم الحالي.
- نعم لكني خبأت ضوءاً موسيقياً منهم، كنتُ أمتطيه أحياناً فأنزلق لمخيلة باخ أو بيتهوفن لغرس مخلبي، هاهاها كان بيتهوفن يتململ كما المصاب بالارتكيريا، وهكذا كنت أتشكل من جديد.
-الموسيقى تُعرِقُ الروح، فيلتصق يقين الحواسِّ بها، والعالم خُلِقَ من زؤام الشك والخطيئة.
-الصرخة التي أعلنت الحياة، فَرَّخت للموت عشرين ابناً، و روحي ابنه العاق.
- لا عليك احجب هذا الضوء، وأسدل الشمس، ليمتطيك اللاوعي.
*Portrait: Salvador Dali

الأربعاء، 31 مارس 2010

مسخ الطبيعة



العالق في الفضاء، حراً مستوحشاً، يهمس للدفء، واختراق الرئة، للاعتصار ومدُ الجسدٍ بحقولٍ ملغومةٍ، وأقدام متأرجحة، لوجه محترق، نافر العروق مختنق الحدود، حدود فرضها التاريخ وحبرها البشر.


الروح، فقاعات مطاطية، سنابل ملونة، تشق الكون، وتطرق الأرض، تتماهى في الآخر، أنت الآخر إذاً، فأكسر الدائرة، واصعد خشوع الحناجر للديانات، اقفز ملتهباً وقبل شفاه الأرض، أرشف براكينها وهي تموج وتتلوى كجسد لامسته الشهوة، وانفثه على وجهٍ لعالم مشوه، مبتور، ليعاود الالتحام، وتنصهر الحدود، حلقِ يا فقاعات، استنشقِ الوجود، اسحبِ العالم للرئة، ثم عاودي الهبوط كنغم موسيقي يتأرجح ثملاً للجسد.


الحالك في السواد، حَشرَجَ في الجوف سَحِيلاً مشرئب القهر، تسدل نجمة ظلها على كتفِ شاطئٍ إِصِمتَ شهد معني الجسارة، نبحت بوصلة باتجاه الجنوب، نهضت الكلاب بأصواتها تباعاً، دمُعت الاتجاهات بنواح النسوة وفاضت عن جغرافيا البرك، والبحيرات الملقحة، عن الشواطئ المظلمة، وصديدها المُصفر، إن كان لليل إكليل متجهم، فمِرآة تقيأت من قبح ناظرها، مرايا تصدعت من طنين السيوف وحراب جائعة لرائحة اللحم النيئ. الناظر لوجه في مرآة مهشمة، يدرك معني التشظي والانقسام.


العالق في الذاكرة، يتيم البيئة، مصلوب على وقتٍ يفضي إلى ميناء، يستدبر الوطن، ويشيح بوجهه عن الأسماء، يقتلع هيئته من بركة لدماء لزجة، سلبت ملامحه، وأفرغته موتاً إضافياَ لمجموعة وجوه تراكمت على سطح مياهٍ يابسة، أنبتت عظاماً وهياكل، خطى عليها حافي القدمين، تفسخت قدماه ودُميت، رشقت الشفاه بزرقة تنبأت عن صعود الروح، تنفضت الدماء من الجسد الشاحب، وعوت في أقاصي الروح اللامنتمية، انبجس الخوف من طفولة تقتات على نتوءات في هيكل البراءة، الخوف، الخوف ميقاتٌ لنحرِ الطبيعة، وقربانٌ قلقِ وإرتباك، يزأر شريان منتهك، يكشِرُ عن أنيابه، تقذف الرياح بسائلها المنوي خارج غلافٌ جويّ، تموء الأرض شبقاً، تلعق باطنها وتعري تربتها، تغني الروح الثائرة لحريتها، موتئذ يُهال تراب على طين تجرد، ليجف الجسد ببطء رخوٍ يشق طريقه للقاع.





portrait: Pablo Picasso