السبت، 20 فبراير 2010

مقصلة رقم (3 ) الوجود ( Self Portrait )






هنا كاحلي الملتوي لإقتدائه بمنجل، هنا فتاة خارجة للتو من حدود الجسد وسطوة الجمع، هنا حياة تعوي
فيفترسها الموت، هنا قلب نيئ، ماستوى علي وجدٍ، إلا وأطفأته رياح الشك والتوجس، هنا قلقُ تآكلت له
أطرافي، وهنا اجترار الذاكرة وتقيح الألم.

ما جادت به الأحلام، بخل به الواقع، وتصدق علي بنقيضه، تكاثرت عليّ رماح جاحدة، اخترقت تربتي،
فتهاوى جزع يمدني بالأمل، اصفرت غابتي، وأنبتت طفيليات متسلقة، تقتات من وجودي، وما وجودي
إلا احتراق الغاب فيني.


*portrait by Frida Kahlo

منفى اللغة ومقصلة الحنين






بودلير، يا سيدي المُرهِق، أناجيك بعد أن استنفذ العمر مخزونه من الأسى ورصيده المعد سلفاً للمعاناة، أدفع بأحرفي لأفض عذرية البياض الموحش، أقدم قرابين الانتماء لوطن العبارة لديك، بعد أن أقحمتُ نفسي بنفسي في شِباك منفى اللغة وفقدان هويتها. ما أقسى أن تفطمك اللغة على صغر، فتتغذى على حليب أُعْتِصِر من أثداء متعطشة، بأيدٍ كانت المتعة غايتها، وبشفاهٍ كانت الشهوة دافعها، بدلاً عن فم رضيع كان البقاء دافعه. إن لغتي لمنفاي، ووجودي غربتي، ونفسي ضريحٌ وُضِعتُ فيه. ما أقسي كل هذا.
{إن نفسي قبر أطوف فيه وأقيم منذ الأزل بثياب راهب ضال}، بودلير.
___
} للأحاديث شجون، فالحنين، يقسر النفس على تذكر (المعاناة) ، كقصيدة وأغنية}

نعم يا صديقي، للروائح ذاكرة، وللمواسم ذاكرة، وللتوقيت ذاكرة، وللموسيقى ذاكرة، وللإنسان ذاكرته الشاملة، التي تجمع مابين كل تلك الذكريات، تقويه وتضعفه، تسعده، تشجيه وتحزنه.

رائحة الطين، {والتي حين يستنشقها الإنسان يحس بالانتماء لكرة طينية كبرى}، كما قلت أنت، الانتماء، الأرض والوطن، المنافي والموت، والاغتراب ذاتياً، وجودياً وجغرافياً، كلها عجلات خشبية تدحرج النفس للحزن، وتزأر داخلك وأنت تستمع لحشرجة احتكاكها بالموت.كبائع متجول عجوز يزأر جاهداً لرزقه وتزأر العجلات بأساه.

قديماً كنت أفكر في العلاقة القوية التي تربط الفرد بالوطن وصلت لفلسفة ربما كانت غريبة نوعاً ما، وهي أن الإنسان يخلق من طين وطنه، من ذات الأرض التي أنجبته أبناً، وأرضعته من خيرها. ولكن وبعد أن تجرعت كُؤُوس غربتي لم أجد انتمائي إلا للموت، كفكرة عظيمة، كفناء طبيعي للجسد، كشيء غامض لم يُدرَك كنهه، الموت كفكرة، تؤرق كل كاتب، التجربة التي يتمنى الكثيرون خوضها والعودة من جديد للكتابة عنها، درويش كاد أن يفعلها، جدارية درويش هي رحلة الموت والعودة للكتابة عنه من جديد، محمود درويش تناول الموت في أكثر من قصيدة، تحدى الموت بكلماته، وغير مفهومه داخلي لطالما كنت أوصد بابي في وجهه، كضيف ثقيل الظل غير مرحب به، عندما مات درويش، وخرج الملايين لوداعه، كاد الدمع أن يثقب عيني وأنا أمنعه من التسرب، في نهاية المطاف نثرت حزني علي شجني، وأشعلت الجسد برغبات الرقص وثرثرته خلف إيقاع موسيقي صاخب، لطالما رحب محمود درويش بالموت، لطالما سَخِر من الحزن. فِلَم خذلانه بالبكاء والنحيب؟

ارتباط غربتي بالموت وما بعده، طور فكرتي الأولي، كنت ذات يوم داخل إحدى المقابر القديمة بلندن، أُناس قبروا قبل عشرات السنين، قبور حُفرت منذ القرن السابع والثامن عشر، حُروف نُحتت تنعي أصحابها: (مازلت خالداً في الدواخل- أسبوتوود ولد عام العام 1696 وتوفي في العام 1785) وأخري نقش عليها(نبُكيك مدي الدهر، ويخلدك التاريخ – أنطوني كاسار، أشرقت شمسه في ويلز عام 1873 وغرُبت في السودان عام 1948) .
كنت علي علم مسبقاً أن المقبرة تضم جثث عشرات الجنود الإنجليز الذين قتلوا في السودان، يا كسار.. ولدت في بريطانيا، توفيت في السودان ، وقُبرت في بريطانيا. ويا نفسي، وُلدتي في السودان فأين ستنشدك المنية؟ وأين سيقبرك القدر؟..أين سيقبرك القدر؟ هل حقاً يخلق الإنسان من طين وطنه؟ أم من طين قبره!! توقفت كثيراً والجملة الأخيرة تتضخم داخلي، ارتباطنا بالطين، أكبر بكثير من ذاكرة الروائح يا صديقي، هو ارتباط بالتكوين والممات ومن ثم النشور.

تحدثتَ عن الروائح، فانزلقت بي الذاكرة لسنوات قحطي الأولي في المنفى، لا الوطن وطني، ولا الوجوه سحنتي، لن أراهن كثيراً علي اللغة، فان غربتي مع اللغة بعيــدة وممتدة منذ أن أضرم الوعي بنار ثورته فيني ، لم أحس يوماً بانتمائي للعربية كلغة أم، فالنوبية هي لساني الأخرس الذي فقدته مبكراً إثر انتقال أسرتي للخرطوم وأنا في شهري الخامس، كان كل من في المنزل يحرص علي التحدث معنا بالعربية، تلك جدتي تنادي(يا بنت يا ثروت تعال هنا) فأضحك مرددة (يا بنت وتعال هنا، في إيه يا *يو!) ثم أبتسم بخبث مقلدة صوتها بسخرية:(أنت يا مرة أنت بناديني ولا بنادي أخوي) تفرهد شفاهها السمراء ضاحكة وتقول( إمَّنا هي مصيبيي) تقصد ضاحكة أني مصيبة جاد بها كل من والدي وابنتها علي الزمن.

أسمعهم يتحدثون إلى بعضهم بالنوبية، فانصرف عنهم باهتماماتي، لم يكن ولعي بها كثيراً آنذاك، لم أهتم بتعلمها، كان فهمي لكتابات الطيب صالح يغنيني عن تعلمها، وأنسي الحاج وكافارني وابن عربي، يجردوني من تذكرها، وكانت الأنشطة الطلابية والألقاب المكتسبة تحد بيني وبين الهوة، بدأت السنين بلإنكماش، تمر السنة وكأنها شهر، ويمر الشهر وكأنه يوم، بدأ الاستلاب الفكري في التفاقم، وبدأت الهوة بيني وبين العربية في التصدع، لم تعد تأويني، أشعر بالضياع، لا أستطيع الوصول إلى طيات أفكاري بها، وبدأت لا شعوريا أميل للتعلم اللغات، اعتقدت حينها بأن ميولي لتعلم اللغات هواية ولكني أدركت لاحقاً بأنها كانت محاولات مستميتة لردم هُوَّة التغرب داخلي.

دخلت الجامعة، وكان لي ما أردت طالبة بكلية الآداب قسم اللغة الروسية والإعلام، لكن وبعد محاولات مستميتة من الأسرة تم إقناعي بالتحويل لقسم المحاسبة جامعة الخرطوم، وكان لهم ما أرادوا. أثناء دراستي التحقت بمركز السُدس (مركز داخل الجامعة يتم فيه تعلم اللغة الفرنسية) التحقت به كمحاولة للهرب من منفي اللغة، أذكر مناكفة أصدقائي لي وسخريتهم الضاحكة (والله يا ثروت كأنك بتغسلي بنطلون جينز) فأجيبهم ضاحكة، أزرق ولا اسود.

مرت الأيام، توقفت عن متابعة دراسة الفرنسية بعد أن اكتشفت أن ضالتي ليست بين طيات حروفها، أخذني طلب العلم وملاحقته إلى إنجلترا، تعلمت الإنجليزية، ولا سبيل للخروج من منفي اللغة، منفي اللغة، أين أنا من هذه اللغة، التحقت بإحدى الجامعات كتكملة لدراسة المحاسبة، و في ذات الوقت بدأت في تعلم اللغة الأسبانية كخيار أخر للهروب من منفي اللغة، لم أجد ضالتي فيها أيضاً ولكني باقية علي دراستها حتى الآن فما أجمل القراءة للوركا بعيداً عن أخطاء الترجمة الفادحة والجافة التي تتم في حق النصوص المترجمة، أذكر حديثاً لكونديرا اعترض فيه على عدم مصداقية بعض المترجمين في ترجمة النصوص قال فيه:{ للأسف، فإن من يقومون بترجمة أعمالنا، إنما يخوننا, إنهم لا يجرؤون على ترجمة غير العادي وغير العام في نصوصنا، وهو ما يشكل جوهر تلك النصوص. إنهم يخشون أن يتهمهم النقاد بسوء الترجمة وليحموا أنفسهم يقومون بتسخيفنا}.

كنت أحاول الانتماء للغة حتى وإن أدارت هي ظهرها، لم أكن أدرك أنني بذلك أرتكب حماقة تلو الأخرى، أنني أوسع حدود غربتي ، وأمد من عمرها ما مدَّ الله من عمري، لم أكن أدرك آنذاك أن حل المشكلة أقرب من روسيا وفرنسا وبريطانيا وأسبانيا، وأن حلها في لسان جدتي الكوشي، والتخلص من حياء والدتي وحرجها حين التحدث مع أصدقائي خوفاً من قيامها بتأنيث مذكر..أو تذكير صديقة.

* يو: تعني أمي في اللغة النوبية.

Photo by: Google*

هل الكاتب إله شخوصه الروائية؟


تعقيب على عبدالغني كرم الله- سودانيز اونلاين


عزيزي كرم الله

تشابكت خيوطي، وما حَمِلَت من أفكار، فترددت كثيراً، من أين أبدأ، من فكرة الموت، أم من ثِقل الأغتراب الذاتي، واللاإنتماء النفسي( والذي يتمثل هنا في شخص مصطفي سعيد)، أم من العلاقة بين الخالق ومخلوقاته، أما سبب ترددي فهو أن محاور الأفكار المذكورة أعلاه، صاغت أحرفي في الآونة الأخيرة، وتمسكت بنات أفكاري بتلابيب عباءاتها، وغزلت منها نول الخيال.
أذن سأبدأ من حيث أنتهى الغائبون، وكم تمنيتُ عودتهم لتنويرنا بميتافزيقيا صدأ من عمقها البشر، الموت يا صديقي يعتلي هرم الحياة، شأنه شأن الإنجاب والنمو، يتهيأ في صمت حولنا، نهيل عليه السواد، ونسدل عليه حجباً سماوية، حرية شُوشت بدوافع الفقد، شأنه شأن النٌبل، والأنسانية السامية، حاول أن تتذكر، كل المعاني الصادقة والنبيلة من حولك، هالة الحزن التي تتلبسها، والصدق أو النبل دائماً مناط بالحزن.
كتبت لك من قبل، عن مدي يقيني بالموت، حينها قلتُ لك:

(بعد أن تجرعت كُؤُوس غربتي لم أجد انتمائي إلا للموت، كفكرة عظيمة، كفناء طبيعي للجسد، كشيء غامض لم يُدرَك كنهه، الموت يا عبد الغني كفكرة، تؤرق كل كاتب، التجربة التي يتمنى الكثير خوضها والعودة من جديد للكتابة عنها، درويش كاد أن يفعلها، جدارية محمود درويش هي رحلة الموت والعودة للكتابة عنه من جديد، محمود درويش تناول الموت في أكثر من قصيدة، تحدى الموت بكلماته، وغير مفهومه داخلي لطالما كنت أوصد بابي في وجهه ، كضيف ثقيل الظل غير مرحب به، عكس الآن، عندما مات درويش، وخرج الملايين لوداعه، كاد الدمع أن يثقب عيني وأنا أمنعه من التسرب، في نهاية المطاف نثرت حزني علي شجني، وأشعلت الجسد برغبات الرقص وثرثرته خلف إيقاع موسيقي صاخب، لطالما رحب محمود درويش بالموت، لطالما سَخِر من الحزن. فِلَم خذلانه بالبكاء والنحيب؟)


سَديم واقعٍ متكثف، سَطَمَ أرواحنا، وسَدَمَ عقولنا، يا كرم الله، فذبلت بها الأنسانية، وتجردت من أسمى معانيها، رنين الحياة الصاخب حولنا، وأن دلّ فأنه يدل على أنها جوفاء، قرِعة، تَقَيَّأَتِ ما ببطنها فتناسلت منها طينة البشرية، فقاعات هواءٍ، تخرج من تجاعيد الأرض، أجيال تصعد من تراب، ثم تهوي كالشهب عليه، بعد أن أحرقتها أشعة شمسٍ، كشفت ظلمات الحياة.
ديمومة متبلدة، تعيد صيرورتها، الحالك فينا، يشرئب فارهاً ضد نقيضه، ونحن نكتب، ونهرب خلف سراب واقع بعيد عن ما كتبناه.
لاشيء حقيقي حقاً يخرج حياً من أفكارنا، بل هي مداد أحرف صُيغت بأيدي خفية، لا شيء جديد، موميات أفكارهم التي تكفي لتحنيط أفكارنا، وينتج عنها نفط يدير محركات أفكار نشء قادم.
تساءلت عن علاقة الخالق بالمخلوق، عرجتَ بأفكارك لنيتشه، والذي دعى الذات الفردية للإرتقاء، والوصول لفكرة الإنسان الأعلى، ومنها يصل لمنزلة الإله، والمعبود، وهكذا يكون الفرد إله أناه الخاصة، وهيأ نفسه ليكون الرسول المبشر لهذا الإله، فُصلب على ألواح كتاباته ذاتها، بعد أن فتك به الأنسان اللامنتمي داخله، نيتشه فطن للوجود من حوله، إنسانية مجردة من معناها، زيف، خلل أخلاقي، سياسي، ديني، من حوله، كل ذلك على أيدي مخلوقات الخالق، تساءل ذات ألم، وأحباط مبكر، وهو مايزال في الثامنة عشر من عمره، كيف لا تحمل المخلوقات روحاً، ونوراً من خالقها.
قلتَ لمصطفي سعيد، (مات إلهك)، ولم يكن الطيب صالح الهاً له، بل كان مصطفي سعيد، فالكاتب يكتب، ليصنع واقع أفتقده في عالمه، والقاص يصنع أبطاله ليشخص فيهم معتقداته، وينطق ما لم يفصح عنه بنفسه.
مصطفي سعيد، روح!! جسداً شُيّدَ من خيالات وأحلام ورؤى، فهل قُبرت روح مصطفى سعيد؟؟ لا بل هل قُبرت روح خالقه، بعد قَبّار جسده؟
بالرغم من أن نظرتي لشخص مصطفي سعيد، تختلف كثيراً عن نظرتك له، والتي تجلت عبر هذه الرسالة، إلا أني أشفق عليه من عذابات الوحدة، أو الوحدانية المضللة، وأنا هنا لا أتحدث عن وحدانية الجسد، بل وحدانية الروح الرتيبة، وهي أشد وطأة من وحدانية الجسد الذي يمكننا أسكات صراخه وهزيعه، ولكن كيف لنا قَبّار وحدانية الروح، ظني أنها تظل طليقة حتى بعد قبر الجسد، فهل تُقبر الأرواح؟؟
أو تعلم يا عبد الغني، لو سألتني من قبل، لمن تبعث برسالتك هذه، لما رجّحت خيار مصطفي سعيد، بغض النظر عن تفسيري للتجاوزات التي في شخصه، هل تظن أنه تأثر لموت خالقه حقاً، هو الذي وئد الإحساس قديماً، وجرد حزنه من فقد الاخرين، على كل حال، كان خياري لك سيتجه نحو الزين، فهو بالرغم من أميته صادق جداً، وإنساني جداً، لم تزيفه معالم التمدن، والإتيكيت، وبرود الإنجليز اللاذع، هو حقيقي لأقصي مدي في الحقيقة، حزنه حقيقي، سعادته حقيقية، مشاعره حقيقية، يمكنني تخيل نظرة الاستغراب في عينيه، عند أستلامه لرسالتك، سيتساءل عن المرسل، ولكن قلبه سينشرح بالفكرة، والتي ستهدم إحساسه بالنفي والرفض، والذي يواجهه من المجتمع بسبب إنسانيته تلك، ينادي أحد الفتية، لقراءتها له، بعد أن يعده بشراء زجاجة (بارد) من أجله، ينفذ صبرالصبي من محاولاته لشرح الرسالة للزين، يرمي الصبي الرسالة في وجه الزين، وينعته بالغباء، يختطف زجاجة (البارد) ويركض بعيداً، يبتسم الزين، غريب هذا الزين في كرم أخلاقه، يبتسم في وجه من تعمدوا أذيته، هم يظنون إبتسامته دليل أضافي على غباء الزين، وما دركوا أن تحت الإبتسامة جرح غائر، تسببوا في تخليده، أو كما قال العم محجوب يوماً: كل الجوح بتروح: إلا التي في الروح.
تقديري وإحترامي

الموت عبر الحضارات











(لا يطرق طينتي أحد، أفتح لوحشة الصمت، الذي تحفظ فيه الطبيعة سرها، وتشيع روحه الغاربة، في المجرات وفي الأبد، أنا الآن أكبر من حدود الحنين، وتنويهات الذاكرة، أنا الآن يقظة الموتى، واحتضار كل شيء). إحداثيات الإنسان، ص:121.

( ماذا عساي أن أفعل، وإلى أين اتجه، إن الموت قد تمكن من لبي وجوارحي، أجل، في مضجعي يقيم الموت، وحيثما أضع قدمي يربض الموت ).
ملحمة جلجامش.

كانت الخطيئة الأولى، قتل قابيل لأخيه هابيل، وكان موت هابيل افتتاحاً للعالم الآخر، فأدرك الإنسان الموتَ، وبمرور السنين، تيقن من أن الموت أمر لا بد منه، ولا حيلة أمامه سوى الخضوع.

قايين وهابيل في المسيحية:
{(1 ) وعرف أدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين وقالت اقتنيت رجلا من عند الرب (2) ثم عادت فولدت أخاه هابيل وكان هابيل راعيا للغنم وكان قايين عاملا في الأرض (3) وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب (4) وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها فنظر الرب إلى هابيل وقربانه (5) ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر فاغتاظ قايين جداً وسقط وجهه (6)فقال الرب لقايين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك (7) إن أحسنت أفلا رفع وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها (8) وكلم قايين هابيل أخاه وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله (9) فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم، أحارس أنا لأخي (10) فقال ماذا فعلت صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض (11) فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك (12) متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها تائها وهاربا تكون في الأرض (13) فقال قايين للرب ذنبي أعظم من أن يحتمل (14) أنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك اختفي وأكون تائها وهاربا في الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني (15) فقال له الرب لذلك كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده (16) فخرج قايين من لدن الرب وسكن في أرض نود شرقي عدن }
الكتاب المقدس - العهد القديم.
(تكوين4: 1-16)

قابيل وهابيل في الإسلام:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يدي إليك لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ(31)}
صدق الله العظيم.
(المائدة27-31)


__
وقف الإنسان منهزماً أمام الموت، فهو خصم لا يمكن التغلب عليه، وفكرة غامضة لم يُدرك كنهها، ومجهول محتم بلا استثناء .
تناولت الحضارات القديمة، والديانات، والفلسفة الإنسانية الموت بعدة طرق، ففي الديانة الهندوسية مثلاً، الموت هو طور من أطوار التناسخ، ويُضبط بقوانين (الكارما) والكارما هي قانون الجزاء الذي يثاب المخلوق به على حسناته، ويعاقب على سيئاته في أطوار تناسخه، وذلك بمعاناته في حياته التالية. وعند قدماء الكوشيين لا يختلف الأمر كثيراً، فقد كانوا يؤمنون بعودة الروح إلي الجسد، فاتخذوا من التحنيط وسيلة للتخليد وإنكار الفناء، وكانوا يؤمنون بيوم الحساب، وأن الإنسان بعد موته يحاكم، علي يد الإله (أوسيرس) واثنين وأربعين قاضياً، فزودوا موتاهم بالمواد والمعدات وكتاب الموتى، لتكون شواهد على أعمال الميت. فإذا مال ميزان سيئاته، يعاقب بأحدي عقوبتين، إما أن يلقى به في دار العقاب، مع النيران والأبالسة، حتى تتطهر نفسه، ثم يسمح له بالعودة للأرض على هيئة جسد بشري، أو بأن يساق إلى الأرض ليعيش على هيئة أحدى الحيوانات أو الحشرات النجسة في أطوار تناسخه التالية، والحيوانات النجسة في الحضارة الكوشية هي( الخنزير- الضفدع- القرد- الحمار- والكلب) أما الحشرات النجسة فهي( الخنفساء- الذباب- البعوضة) على سبيل الذكر لا الحصر.
أما الموت عند البابليين والسومريين ففكرته متشابهة حسب ما نَصَّت عليه النصوص القديمة، فكلاهما ينكران البعث والقيامة، وقد سمى البابليون عالم الموت (أرالوا ) والأموات فيه متساوون في حقوقهم ومستوى معيشتهم. وقد سُمي عند السومريين بالعالم السفلي، والذي يحكمه الإله (نرجال). وكانوا يعتقدون بأن روح الميت لا تفنى، بل تتمثل في شبح يدعى (أدمو) ينزل مع الميت إلى العالم السفلي ويظلُّ ملازماً له في ذلك العالم، شريطة أن يُدفن الميت حسب المراسيم الدينية المنصوص عليها, وإذا لم تتوفر هذه الشروط انقلب (أدمو) روحاً شريرة تخرج من عالم الأموات وتلحق الضرر والأذى بالأحياء.

__
بجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يطلق عليها أسم مغارة الدم، يقال بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، والله أعلم بصحة ذلك.
* في اللنك أدناه فيديو مصور عن المغارة المذكورة، ولا يخلو الفيديو من بعض الطرافة.
http://www.jeeran.com/videos/1818427/الجبل%20يبكي/?ref=715&lang=a


يتواصل